البديل الاقتصادي المهمل...
الاستثمار الثقافي في الجزائر خرافة
....أو تكتم عن سياسة فاشلة ? ? ?
بقلم : الفنان التشكيلي والمنشط الثقافي /
عــلال أبوبكر
بلد من بلدان الوفرة المادية والرَّيع
النفطي بالأمس ، أعلن سلطانها الأول عن جملة من الفتوحات
الثقافية المأخوذة من
تحت عباءة الرجل الدوغمائي المتقشف , بدون حياء ولا خجل من الإنسانية في قطاع
عرف عنه التسول منذ الاستقلال , يحدث هذا في بلد إسمه الجزائر والقطاع
المستهدف هو قطاع الثقافة مع كل أسف , هذا الجانب الاستراتيجي البالغ الأهمية الذي ترفض كل الحكومات الواعية أن تنقص من
ميزانيته فلسا واحدا , إلا الجزائر فكل شيء فيها مباح مادام الأمر يتعلق بالبقاء في
هرم السلطة.
حكومة
تتحدث عن الاستثمار الثقافي من جهة , ومن جهة أخرى نجدها قد حشّت القطاع حشّا ،
تناقض صارخ لم نجد له تبرير, والسبب لأن سلطانها المسكين مازال لم يستسغ تلك
العلاقة المفرطة في الحساسية بين المثقف ورجل المال الذي لايهمه إلا جمع الدولار قبل ذلك الدينار الذي لم يتبقى
له إلا شهقة واحدة .
كان عليكم سيدي الوزير عوض تقليص عدد المهرجانات الثقافية التي كانت تأثّث وتصنع المشهد الثقافي في
الداخل قبل الخارج من 186 إلى 77 مهرجانا فقط ، وإلغائكم لكثير منها
ودمج بعضها ببعض خبط عشواء وجعل بعضها ينظم كل سنتين , بعد أن كانت تنظم كل سنة ،
وذلك في ظل تلك السياسة غير معلنة والتي لا يسمع صوت طبولها إلا بعد انسداد
جميع الأبواب "سياسة التقشف" .
ودولة تونس الشقيقة تنظم أكثر 1200مهرجان سنويا ناهيك عن النشاطات الجمعوية الأخرى
, وبعد كل هذا مازلنا نتحدث عن مشروع
العاصمة التي لا تنام .
قبل الحديث عن استثمار ثقافي فعّال وطموح لا بدّ من تكوين رؤية واضحة ،
وذلك لصعوبة المعادلة التي توازي بين الاقتصاد والثقافة ، فإن مجرد الحديث عن
«الاستثمار» في قطاع الثقافة قد يصيب ذوي الذهنيات المحافظة بصدمة شديدة، ويجعلهم
يشعرون بالفزع والخوف من التنازلات التي يمكن أن تقدم على حساب حرية الإبداع ، مع
العلم أن الهوّة جدّ عميقة بين منطق
المثقف الجزائري ومنطق المستثمر المغامر ، فبينما يفكر الأول في الترويج للعلوم
والمعرفة والفنون دون انتظار مقابل في أغلب الأحيان ، في حين لا يهم الثاني سوى
تحقيق المكاسب المادية .
ورغم ذلك فمع الكثير من
الضمانات واللعب على وتر تغيّر الذهنيات البالية وفي ضل رؤية واضحة وعادلة بين
الطرفين يمكن أن نصنع المفارقة التي يحلم بها كل مثقف وطني غيور ، و الأمر بطبيعة
الحال لا يكون بسن القوانين لوحدها بغية تنظيم هذا الحراك , فعوض تحجيم الفعاليات
الثقافية وتقليصها كان على الحكومة أن تقوم بتحويلها من أدوات لتلميع الصورة إلى
أدوات تلميع وكسب معا ، وهذا الأمر من شأنه أن يرفع معدل الدخل القومي للبلاد، كما
هو الحال في العالم المتقدم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد الكثير من الدراسات التي أجريت على هذا
النوع من الاستثمار، فنجد وكالة «تيرا» المتخصصة في تطوير المشاريع الثقافية، ضمت 74 مدينة أوروبية،
أظهرت أنه إذا كان متوسط ما تصرفه كل مدينة على النشاطات الثقافية يبلغ نسبة 0.7
في المائة من الدخل القومي عن كل ساكن، فإن عائد هذا الاستثمار في النهاية يصل
لنسبة 9 في المائة من الدخل القومي عن كل ساكن، لأن المدينة التي تتمتع بانتعاش
قطاعها الثقافي تحث سكانها على الاستقرار فيها والأجانب على زيارتها وتشجع على
الاستهلاك، وهو مثال حال مدينة بيلباو الإسبانية التي مرت بركود اقتصادي شديد إلى
أن تم افتتاح متحف «كوكينغام بيلباو» الذي ساعد على خلق أكثر من 45 ألف فرصة عمل
جديدة في الفترة الممتدة بين 1997 و2007. لكن الآثار الإيجابية قد تكون «نوعية»
أكثر منها «كمية» لا سيما بما يتعلق منها «بالانطباع الجيد» الذي تتركه في الأذهان
كل المدن التي تعيش حالة من الانتعاش الثقافي , ونحن في الجزائر عوض أن نخطط مازالت
الحكومة تقبل التبرعات وقاعة الأوبرا المهدات من طرف دولة الصين ليست ببعيدة .
وتكتب "بولين لابورت"، الخبيرة في مكتب استشارات «آرت آند
فينانس»: «الأزمان المقبلة ستشهد منافسة شديدة بين المدن الكبيرة لاستقطاب السياح
والمستثمرين والأدمغة. الاقتصاد بالطبع يبقى مهما، لكن الانتعاش الثقافي سيكون
الفاصل الذي سيميز بعضها عن بعضه».
والمشكل في الجزائر أن سياسة الإنفاق على هذا
النوع من المشاريع يحتكم إلى قانون تضخيم
الفواتير ،ناهيك عن الارتجالية المفرطة في أغلب الوزارات المتعاقبة على هذا القطاع
الحساس , مع استمرارية قطع التواصل بين الأجيال , وأصحاب الاختصاص , ثم تقدم للرأي
العام أنها أرقاما ومشاريع حقيقية , نتحمس لها في البداية ثم سرعان ما يطالها
الإهمال ، وما يحصل في فنادق الجزائر التي تم فتح رأس مالها في فترة العشرية
السوداء لأكبر دليل على ذلك , فضلا عن المشاريع التي لم تكتمل بعد منذ فترة
الثمانينات , ناهيك عن المواقع الأثرية التي بح صوتها.
ومن هذا المنطلق فإن الاستثمار الثقافي لا يمكن أن يصل إلى أهدافه المنشودة بدون مناخ مهيأ مسبقا وخريطة طريق ملمّة بكل الجوانب الاجتماعية للبلاد ، لأن هذا النوع من الاستثمار هو مشروع مجتمع كامل ومتكامل الرؤية من كل النواحي كما فهمته الكثير من دول العالم الناشئة خاصة دول مجلس التعاون الخليجي مؤخرا , مثل دولة قطر والتي احتلت المرتبة الرابعة عالميا في التعليم بفضل حوكمتها الرشيدة , ودولة الإمارات العربية التي أدركت هذا المفهوم الراقي ورسمت أهداف بعيدة المدى أو كما يحب الاقتصاديون في هذا البلد أن يسميها بخطة 2117 .هكذا تكون الحكومات الذكية التي تحتكم في اتخاذ قراراتها إلى الخبراء وليس إلى الأنا الذاتي والعاطفة المفرطة التي أرهقت وأتعبت عقولنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق