المدرسة السوبرماتية
دافعت هذه الحركة عن فن تجريدي خالص أساسه عناصر الدائرة والمستطيل والمثلث البسيطة. وكان أول نتاج لها لوحة تمثل مربعا أسود كاملا على أرضية بيضاء. وانضم إليها عدد من الفنانين من أمثال "رودشنكو" و "رزاندوف وليسلكي". |
منابع هذه الحركة متعددة، فقد تمثّل منبعها الفن الطليعي الذي كان شائعا في أوروبا الغربية آنذاك في العقد الذّي سبق الحرب العالمية الأولى وأبرز قياداته: الانطباعية و التّعكيبية، والمستقبلية. وأطلق بيانه الأول خلال آخر معرض للمستقبليين في بتروغراد في ديسمبر من العام 1915 تحت عنوان: "من التكعيبية إلى السوبرماتزم في الفن: نحو واقعية جديدة وإبداع خالص.." وتمت إعادة نشر هذا البيان بعد توسيعه في العام 1916. والترجمة الراهنة مأخوذة عن كتاب "مقالات ماليفتش في الفن"( إعداد أندرسون، كوبنهاجن، )1969.
"لن نشهد عملا فنيا خالصا وحيّا، إلا مع اختفاء عادة من عادات الفكر التّي ترى في اللّوحة زوايا الطبيعة الصغيرة مثل صور العذراء وتماثيل فينوس العادية.لقد حولت نفسي إلى الشكل صفر، وسحبت نفسي من بركة الفن المدرسي المكتظة بالقمامة.لقد دمرت حلقة الأفق وهربت من دائرة الأشياء، من الأفق الدائري الذي يقيد الفنان ويقيد أشكال الطبيعة. هذه الحلقة اللعينة التي تتفتح عن إمكانيات جديدة مرة بعد مرة، فتأخذ الفنان بعيدا عن هدف التّهديم. الوعي الجبان فقط، والقوى الإبداعية الضئيلة لدى فنان هما اللّذان ينخدعان بهذا التّحايل، ويؤسسان فنهما على أشكال الطبيعة، واثقين من فقدان الأسس التي أقام عليها المتوحش والمدرسي فنهما. الفنانون الأغبياء والعاجزون فقط هم الذين يقومون بعملهم بإخلاص. في الفن هناك حاجة إلى الحقيقة لا الإخلاص.تتلاشى الأشياء مثل دخان. ولاكتساب الثقافة الفنية الجديدة يقارب الفن الإبداع بوصفة غاية بحد ذاته وسطوة على أشكال الطبيعة.
"فنّ المتوحّش ومبادئه": المتوحش هو أوّل من أوجد مبدأ النزعة الطبيعية (مطابقة الطبيعة)، حين رسم اعتمادا على نقطة وخمسة أعواد صغيرة. لقد حاول إعادة إبداع صورته هو, وأرست هذه المحاولة الأولى قاعدة المحاكاة الواعية لأشكال الطبيعة, ومن هنا ظهر هدف مقاربة سطح الطبيعة قدر المستطاع واتجهت كل جهود الفنّانين نحو تمثيل أشكالها الإبداعية:فالفن الجماعي، أو فن النسخ، يمتلك أصله في السير إثر صورة المتوحش البدائية، الأولى, إنه فن جماعي لأن الإنسان الحقيقي ذا المنظومة السامية من المشاعر والحالات النفسية، والتشريح الجسدي لم يكن قد تم اكتشافه بعد.لم ير المتوحش لا صورته الخارجية ولا وضعيته الداخلية. إن وعيه لا يستطيع إلا مشاهدة هيئة إنسان أو حيوان.. إلخ. ومع تطور وعيه نمى المخطط الذي رسم به الطبيعة وأصبح اكثر تعقيدا. فكلما احتضن وعيه الطبيعة اكثر، كلما تعقد عمله وازدادت معرفته و قدرته.ولم يتطوّر وعيه إلّا في جانب واحد، جانب إبداع الطبيعة، لا في جانب أشكال فن جديدة ولهذا لا يمكن أن تعتبر صوره البدائية عملا خلاقا.إن التشويهات في صوره (الانحراف عن مطابقة الطبيعة) ليست سوى نتاج ضعف في الجانب التقني,فالتّقنية شأنها الوعي، لم تكن إلّا على طريق تطورها, ولهذا لا يجب أن تعتبر لوحاته فنا.لقد أشار مجرد إشارة نحو الطريق إلى الفن استتبع هذا أن المخطط الأصلي كان إطارا وضعت فيه الأجيال المتعاقبة مكتشفات جديدة للطبيعة مرة بعد مرة.وتنامي المخطط نموا أشد تعقيدا وازدهر في العالم القديم وفق عصر النهضة.
رسم أساتذة هذين العالمين الإنسان في شكله الكامل، داخليا وخارجيا بعد أنّ تمّ تجميع الإنسان والتعبير عن دواخله ولكن هؤلاء الأساتذة رغم قدراتهم الفائقة، لم يكملوا فكرة المتوحش انعكاس الطبيعة على قماش اللوحة كما لو أنها منعكسة في مرآة ومن الخطأ الاعتقاد بأن عصرهم كان اكثر عصور الفن ازدهارا، وأن الجيل الشّاب يجب أن يسعى نحو هذا المثال بأي ثمن، مثل هذا المفهوم زائف، إنه يحرف القوى الشابة عن تيار الحياة الحديثة، وبهذا يربكهم. تطير أجسادهم في الطائرات، ولكن الفن والحياة تغطيهما أردية قديمة، تعود إلى العصور اليونانية والرومانية.ولهذا هم لا يستطيعون رؤية الجمال الجديد لحياتنا الحديثة، لأنهم يحيون بجمال عصور الماضي. |
ولهذا يبدو الواقعيون والانطباعيين والتعكيبيون والمستقبليون والسوبرماتيون غير مفهومين، فهم طرحوا عنهم أردية الماضي، وخرجوا إلى الحياة الحديثة للعثور على جمال جديد لا وأنا أقول: إن أي غرفة تعذيب من غرف الأكاديميات لن تستطيع الصمود أمام تيار الزمن تتحرك الأشكال وتولد، ونتوصل إلى اكتشافات جديدة مرة بعد مرة. وما اكشفه لكم لا يخفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق