الخميس، 31 ديسمبر 2015

  الفن الافريقي
    من أهم الفنون التي يجهلها الغرب والتي لم يتفطن لهى الغرب الا من خلال الفنان الكبير بابلو بيكاسو وذلك من خلال لوحاته الشهيرة مثل لوحة الغارنيكا ....الخ الا وهو عالم الأقنعة الافريقية الغنية برموز والاشكال والالوان والتي تعبر عن عمق الحظارة الافريقية 
    فالاقنعة هو الفن الأهم في إفريقيا، وذلك لما تكتسيه من مكانة مهمة   في الحياة الاجتماعية والدينية هناك، لأنها قوة سحرية إيحائية ورمزية، محملة بتجريدات شكلية تنزاح بها عن أن تكون نسخا للواقع، ويدخل في صنعها ما هو حيواني وطبيعي مثل رؤوس الحيوانات وجلودها والأعشاب والريش والقماش والعاج والقواقع والخشب والمرمر واليشب والخزف وبعض المعادن.
والأقنعة الأكثر انتشارا تلك المنقولة عن وجه الإنسان أو وجه الحيوان، كالأسود والضباع والظباء، وغالبا ما تُرجح كفة شكل الوجه الآدمي، ويتم الاكتفاء باستعارة بعض العناصر من الحيوانات كالقرون والريش والأسنان والذيل ، فقد يكون القناع عبارة عن رأس إنسان وقرون جاموس، أو ظبي، أو يضاف إليه فكي تمساح لتوليد الانطباع بالقوة والسلطة. وأقنعة الوجه الآدمي تمثل الكهنة ورجال الدين والسحرة والشيوخ والصيادين وغيرهم. لكن ما يمكن تأكيده، أن القناع يتم نحته بطريقة مُحرَّفة ولا يُعد نقلا أمينا وحرْفيا للواقع، وغائية تحويره ليست إلا من أجل تحميله بدرجة عالية من التعبير الرمزي ولتبدو قدراته الروحية مقنعة، لأنه يلعب دور المتدخل الفعلي في أقدار القبيلة ليرجح ما فيه خيرها العميم ومصلحتها. 

الأقنعة الإفريقية رافد للحركة التكعيبية:
وصلت المنحوتات الإفريقية ومن ضمنها الأقنعة إلى الغرب في بداية تسعينيات القرن التاسع عشر عن طريق جامعي التحف الفنية الذين سهّل زيارتهم لإفريقيا، الفتح الاستعماري والرحلات الاستكشافية، لكن لم يتم منح الأقنعة الإفريقية القيمة الفنية المُستحقة وتم اعتبارها في البداية مجرد مشغولات يدوية لا غير، لكن لم يستمر هذا الحيف، إذ سرعان ما استرعت انتباه الكثير من الفنانين الحداثيين في بداية القرن العشرين. وقد وجدوا في الفنون الإفريقية، لما تتمتع به من تجريدية في الأشكال وتقشف في الألوان ولحمولتها الرمزية والروحية، ما يمكنهم من تحويل وجهة الفن التشكيلي الغربي إلى وجهة جديدة مخالفة لتلك التي فُرضت عليه لقرون عديدة فكانت العنصر المساعد على تحقيقهم للتغيير المرجو والتوجه إلى التجريد وإلى استكشاف العوالم النفسية والروحية من خلال الفن، ومن هؤلاء بيكاسو وماتيس وغوغان وفان جوخ وبراك وبول كليه وغيرهم.
واستقصاؤنا للحركات الفنية عبر التاريخ يجعلنا نتأكد من أنها تعرف حالة ترابط بمرجعيات فنية سابقة وانزياح صوبها، لأنها تستجيب لتطلعات الفنان ولرؤاه فيكون جنوحه لتك المرجعيات وتفاعله معها عنصرا مساعدا لتحقيق خصوصية أعماله. والتكعيبية كحركة فنية نشأت في بداية القرن العشرين، واعتُبرت الأقنعة كفن بدائي، المرجعية الأولى لهذه الحركة، ولم يأت اعتمادها اعتباطيا، وإنما مقصودا، وقصديته تجلت في الانزياح عن الشكل الإنساني الذي حضر في الأعمال التشكيلية من خلال المحاكاة، والارتقاء به ليصبح روحيا ومفعما بالقدسية كما هو الحال بالنسبة للأقنعة، أو لنقل انحيازا لجوهر الفن البدائي وقوانينه، ويمكن اعتبار بيكاسو وجورج براك من رواد التكعيبية، وانضم لهما بعد ذلك ماتيس ودوران وخوان غري وغيرهم.
إن ذلك يفسر بما لا يدع مجالا للشك بأن انتقاء المنحوتات الإفريقية والأقنعة بصفة خاصة لتكون مرجعية للحركة التكعيبية، ليس شكلها الخارجي فقط لتميزه ببساطة الأشكال وتقابل المساحات المنحوتة والسطوح المحددة، فالحظوة التي تمتعت بها ناتجة أيضا عن قوتها السحرية الهائلة والغامضة كما هي في معتقدات القبائل الإفريقية، كما أنها ذات مدلول إنساني حسب تعبير أبولينير. وهذا يؤكد حمولتها الروحية المتمثلة في ما هو نفسي وميتافيزيقي وأسطوري، لكنها أمور تتحقق من خلال الشكل، فيتداخل، أو بعبارة أخرى يتوحد القناع مع ما يحيل عليه من رموز، وما ميز الفن التكعيبي أنه بتأثره بالنحت الإفريقي عبر عن إعادة بناء الواقع ذهنيا، وقام بالاعتماد على الفكر بدل الواقع، فأعاد تفكيك هذا الواقع واختزاله في الأفكار المعبرة عن رؤى الفنان التي ترجمها إلى أشكال هندسية متناغمة مع الألوان.
ومن ثم تمظهر ما قام به الفنانون التكعيبيون بوضوح في دمج الجمالية الإفريقية مع رهافة الحس لتشكيل توليفة من التحريف الجسدي من خلال الانزياح عن المتعارف عليه والاقتصار على ما يتطلبه تقابل المسافات والخطوط والزوايا والسطوح ودرجات اللون المتقشفة في تدرجها وتنافرها، فوظفوا في الغالب الألوان الباهتة كالأخضر الفاتح والغامق والرمادي بنوعيه والبني، عكْس الانطباعية التي اعتمدت الألوان الصارخة والفاقعة والصافية، وهذا التناول للألوان مكن الفنانين التكعيبيين من مضاعفة الأشكال الهندسية في أعمالهم. كنوع من التحرر مما هو مادي وأرضي واستبداله بالروحي والأسطوري وبالظواهر المعبرة عن قيم تتولد عن الفكر المدرك لها، وليس العين الناظرة إليها، إنه نوع من التأويل لما يعبر عنه القناع الإفريقي كدال شكلي محمل بمدلولات رمزية.
ويُعد بيكاسو من الفنانين الذي اختلقوا من خلال التكعيبية نظام شكل البعد الثالث على سطح ذو بعدين استقصاء منه لجمالية القناع وانزياحا عن الانطباعية واستعارة لمكونات الفن القديم لدمجه في الفن الحديث، وقد ظهر ذلك في لوحاته ومنحوتاته، ويمكن اعتبار لوحته "آنسات أفنيون" من الأعمال التي أبدى فيها النزعة البدائية المستوحاة من النحت الإفريقي ويتوضح ذلك من خلال الوجوه الشبيهة بالأقنعة والأجساد المسطحة والألوان المتقشفة، وكانت هذه اللوحة إيذانا بميلاد الحركة التكعيبية، ومن أعماله الأخرى التي استوحى من خلالها الأقنعة نذكر لوحته "رأس امرأة" (1908)، و"امرأة على كرسي" (1909) وهذه الأعمال تتسم بأشكال قناعية يطبعها التجريد.
لقد ظلت الأقنعة الإفريقية محملة بوظيفتها الرمزية والروحية ومعبرة عن الفن والهوية الحضارية لشعوب إفريقيا، ولم تبق حبيسة موطنها الأصلي وإنما حققت امتداداتها في الفن التشكيلي الغربي من خلال روحيتها وتجريديتها، ولا يزال أثرها قائم في الفن التشكيلي إلى اليوم. 
...............................................
المرجع

الأقنعة الإفريقية من الطقوس البدائية إلى الفن التشكيلي الغربي

د. حورية الظل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق